« ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة ... »(1) .
« ولا تحسبنّ الذین قتلوا فی سبیل اللّه أمواتا بل احیاء عند ربّهم یرزقون»(2) .
القرآن الکریم یشیر الی هذه النقلة الایمانیة فی حیاة المؤمنین من محور الأنا الی محور اللّه فی أروع صورة وتمثیل :
« انّ اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة یقاتلون فی سبیل اللّه فیقتلون ویُقتلون وعدا علیه حقا فی التوراة والانجیل والقرآن ومن أوفی بعهده من اللّه فاستبشروا ببیعکم الذی بایعتم به وذلک هو الفوز العظیم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراکعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنکر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنین »(3) .
والآیة الکریمة تعبّر عن تجرّد الانسان من ذاته وعلاقاته باللّه تعالی باستخدام تعبیر البیع والشراء وهو تعبیر ینطبق علی الموضوع الذی نحن بصدده بشکل دقیق .
وکل بیع یتطلب اُمورا خمسة : المشتری ، والبائع ، والثمن ، والمثمن ، ووثیقة البیع ؛ والمشتری : هنا هو اللّه عزّ اسمه ؛ والبائع : الانسان ؛ والثمن : الجنة ؛ والمثمن : هی النفس وعلاقاتها ومتعلقاتها ، ولذّاتها وغرائزها ، وحبها ، وبغضها ، ومیولها ؛ ووثیقة البیع : التوراة ، والانجیل ، والقرآن .
ویستوقفنا هنا هذا التعبیر الرائع : « ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم ... » . إنّ المؤمنین یبیعون أنفسهم وأموالهم للّه ، واللّه یشتری منهم أنفسهم وأموالهم ، ولیس للبائع ـ بعد أن یتخلی عن نفسه وعن الأنفس العزیزة علیه وعن ماله للّه ، ویقبض الثمن ـ أن یتراجع أو یتردد فی تسلیم البضاعة ، أو یتحفظ فی التسلیم ، أو یستقطع منها شیئا ، أو تحنّ نفسه الی شیء منها ، فقد باع ، وقبض الثمن ، ولا خیار ولا رجوع ولا عودة ولا استقطاع .
وعملیة البیع هنا شاملة ، ومستوعبة ، لا تترک للانسان شیئا : « ... أنفسهم وأموالهم ... » والأنفس هی أنفس المؤمنین ، والأنفس العزیزة علیهم ، من أبناء وأزواج واُخوة وأعزاء ؛ والأموال هی کلّ ما یملکونه من متاع وعقار ونقد . فلا تبقی لهم بقیة فی هذه الدنیا یتعلّقون بها ، أو تحنّ الیها نفوسهم ، ما داموا قد قبلوا البیع ، وأتموا الصفقة ، وقبضوا الثمن ، فهی عائدة جمیعا للّه ، یتصرف بها کیفما یشاء ، وکما یحب وکما یرید ، ولیس للمؤمن ان یتلکأ فی التسلیم ، والعطاء ، أو یتردد ، فإنّ عملیة التخلّی عن الأنفس والأموال تتم طواعیة باختیار الانسان ورغبته . وقیمة هذه العملیة فی انّها تتم باختیار الانسان ورغبته ومن المعیب ان یُتمّ الانسان صفقة بیع ، ویقبض الثمن ثم لا تسمح له نفسه بالتخلّی عن البضاعة أو یتردد فی تسلیمها أو تساوره نفسه بالفسخ والتراجع .
وعملیة البیع ـ وهذا هو موضع استشهادنا بهذه الآیة الکریمة ـ تعبّر عن کل المسیرة والرحلة ، وتطوی کلّ المسافة الفاصلة بین المحورین : محور ( الأنا ) و ( المحور الالهی ) ، فیتخلی المؤمن عن نفسه ومشتهیاتها ، وعلاقاتها ، ولذاتها ومتعها ، وعن کل علاقاته فی هذه الدنیا للّه تعالی ، بصورة کاملة وینتزع نفسه من هذا المحور انتزاعا کاملاً ، لینقلها الی المحور الآخر ولیضعها تحت سلطان اللّه تعالی وأمره ونهیه .
وهذه النقلة أوالبیعة هی کلّ المسیرة الانسانیة الی اللّه والمؤمنون فی هذه البیعة یطوون کل تلک الرحلة الطویلة والشاقة .
ولقد کان المسلمون فی صدر الاسلام یتلقون هذه الحقائق والآیات من کتاب اللّه ویفهمونها بوضوح وبساطة ، ومن غیر تعقید أو التواء ، وتتحول هذه الآیات والمفاهیم القرآنیة الجدیدة فی نفوسهم الی وعی عمیق ، وایمان وسلوک .
والیکم بعض الصور المشرقة من هذا التأریخ :
1 ـ فی بیعة العقبة الثانیة وهی التی أناف فیها رجال الأنصار علی السبعین ، اجتمع رجال الأنصار الی رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله عند العقبة لمبایعته صلیاللهعلیهوآله والاتفاق معه علی قرار بخصوص الهجرة والنصرة ، فقال عبد اللّه بن رواحة رحمهالله للنبی صلیاللهعلیهوآله : اشترط لربّک ولنفسک ما شئت .
فقال النبی صلیاللهعلیهوآله : أشترط لربی أن تعبدوه ، ولا تشرکوا به شیئا واشترط لنفسی : أن تمنعونی مما تمنعون منه أنفسکم وأموالکم .
قالوا : فإذا فعلنا ذلک فما لنا ؟
قال : الجنة .
قالوا : ربح البیع لا نقیل ولا نستقیل(1) .
فنزلت : « ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم ... »(2) .
2 ـ وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاری رحمهالله قال : نزلت هذه الآیة علی رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله وهو فی المسجد : « ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم ... » فکبّر الناس فی المسجد فأقبل رجل من الأنصار ، ثانیا طرفی ردائه علی عاتقه ؛ فقال :
یا رسول اللّه أنزلت هذه الآیة ؟ قال : نعم . فقال الأنصاری : بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل(3) .
3 ـ وصورة ثالثة من هذا التفاعل المباشر والفهم الواضح الصافی لمفاهیم الاسلام وتصوّراته الجدیدة علی حیاة الناس وهی ما جاء عن عبادة بن الصامت : أنّ أسعد بن زرارة أخذ بید رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله لیلة العقبة ، فقال : أیها الناس هل تدرون علامَ تبایعون محمدا صلیاللهعلیهوآله ؟
إ نّکم تبایعونه علی أن تحاربوا العربَ والعجم والجنَّ والانس کافة .
فقالوا : نحن حرب لمن حارب ، وسلم لمن سالم .
فقال اسعد بن زرارة : اشترط علیّ .
فقال : تبایعونی علی ان تشهدوا أن لا اله إلاّ اللّه وأ نّی رسول اللّه ، وتقیموا الصلاة ، وتؤتوا الزکاة ، والسمع والطاعة ، ولا تنازعوا الأمر أهله ، وتمنعونی مما تمنعون انفسکم وأهلیکم .
قالوا : نعم .
قال قائل من الانصار : نعم ، هذا لک یا رسول اللّه . فما لنا ؟
قال : الجنّة والنصر(1) .
4 ـ وصورة اخری : وهی ما أخرجه ابن سعد عن الشعبی قال : انطلق النبی صلیاللهعلیهوآله بالعباس بن عبد المطّلب ، وکان ذا رأی ، الی السبعین من الانصار عند العقبة ، فقال العباس : لیتکلّم متکلّمکم ، ولا یطیل الخطبة ، فإن علیکم للمشرکین عینا ، وان یعلموا بکم یفضحوکم .
فقال قائلهم وهو ابو امامة أسعد : یا محمد صلیاللهعلیهوآله سَلْ ربّک ما شئت ، ثم سل لنفسک ولاصحابک ما شئت ، ثم اخبرنا ما لنا من الثواب علی اللّه ، وعلیکم ، اذا فعلنا ذلک ؟
فقال صلیاللهعلیهوآله : اسألکم لربی أن تعبدوه ولا تشرکوا به شیئا ، واسألکم لنفسی واصحابی ان تؤونا ، وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه انفسکم .
قال : فما لنا اذا فعلنا ذلک ؟
قال : ( الجنّة ) . فکان الشعبی اذا حدّث هذا الحدیث قال : ما سمع الشیب والشبان بخطبة أقصر ولا أبلغ منها(2) .
ولهذه الصور أمثلة کثیرة فی تأریخ الاسلام ، عن التفاعل المباشر مع مفاهیم وتصوّرات الاسلام ، والانصهار والذوبان الکامل فی هذه المفاهیم ، والتصوّرات ، والفهم الواضح لها .
لقد کان المسلمون الأوائل یفهمون هذه الآیة الکریمة بهذه البساطة والوضوح ، ویتفاعلون معها بمثل هذه القوة والعزم ، ولعلّنا لا نبعد عن الحقیقة اذا قلنا إنّ ابناءنا من هذا الجیل بدؤوا یستعیدون تلک البساطة والوضوح فی فهم آیات اللّه ؛ واحداث الثورة الاسلامیة المعاصرة فی ایران والعراق ولبنان وجبهات القتال الدامیة مع النظام العراقی السفّاح شاهدة علی هذه الحقیقة .
ومن عجب فی هذا الشراء أنّ الشاری سبحانه وتعالی له ملک السماوات والأرض ، وله الانسان وما بیده من اموال ، وله أن یتصرف فی کل ذلک من غیر بیع ولا شراء ومن غیر سؤال ولا استئذان ، والعبد وما فی یده لمولاه .
ولکنّه عزّ وجل شاء أن یُکرم هذا الانسان ، ویرفعه الی موضع التعاقد والمبایعة معه ، وذلک تکریم من لدن اللّه تعالی لعباده بما یناسب لطفه وکرمه بهم ؛ وقد کان الحسن اذا قرأ هذه الآیة : « ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم ... » قال : « أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها » .
فهو سبحانه خلق الانسان وخلق له ما شاء من الطیّبات وتلک کرامة ، ثم ملّکه ذلک ، وتلک کرامة اخری ، ثم اشتری منه ما وهبه وما ملّکه ، وتلک کرامة ثالثة ان یرفعه الی موضع التعاقد والمبایعة معه ، ثم جعل ثمن ما یأخذه منه من المتاع الفانی الجنّة والخلود فی رحمته ورضوانه وتلک کرامة رابعة .
والعطاء جمیل علی کلّ حال ولکن أجمل العطاء وأفضله ما یقترن بالتکریم وقد قرن اللّه تعالی عطاءه لعباده بالتکریم وتلک غایة فی الکرم والتکریم ، والحمد للّه ربنا الذی أکرمنا بکل هذه الکرامات وأکرمنا بالاسلام والتقوی .
والبیع والشراء من اللّه یستدرجنا للحدیث عن مصطلح اسلامی عریق یتصل بهذا المفهوم من قریب وذلک هو ( البیعة ) .
والبیعة مشتقة من مادة البیع ، ولا نعلم ما اذا کان له فی الجاهلیة أصل قریب أم لا ، إلاّ أنّ الاسلام اتّخذ هذه الکلمة مصطلحا للالتزام والتعهد الکامل بالطاعة من قبل الاُمة للامام فیکون معنی الکلمة الالتزام الکامل بالطاعة .
وذکروا فی المناسبة التی اقتضت تسمیة هذا الالتزام بالبیعة أنّ العرب کانوا اذا تبایعوا تصافقوا وضرب احد المتبایعین بکفه علی کف الآخر ، وکان ذلک علامة رضاهما بالبیع والتزامهما به .
وقد أمضت السُنّة هذه الطریقة فی التعبیر عن التعهد والالتزام بالطاعة تجاه الامام ؛ فکان المسلمون اذا بایعوا رسول اللّه استلموا کفّه ایذانا بالالتزام بالطاعة ، ویسمی هذا الالتزام بهذه المناسبة : بیعة ومبایعة ؛ ومن غیر المستبعد أن تکون المناسبة فی هذا المصطلح أنّ هذا الالتزام من مقولة البیع ، ففی البیع یتخلی البائع عن المتاع الذی یملکه بشکل کامل فی مقابل ما یتلقاه من الثمن ، واذا أوجب البیع فلا یحق له ان یتراجع عمّا امضاه .
وکذلک الأمر فی الالتزام بالطاعة ( البیعة ) فإن المرء اذا دخل البیعة والتزم بالطاعة فلیس له ان یتراجع أو یتخلی عن عهده والتزامه ؛ فقد امضی البیع وقبض الثمن ( الجنة ) واعطی اللّه ماله ونفسه ، والأنفس العزیزة علیه ، فلا یحق له ان یتراجع أو یتردد أو یفسخ الالتزام ؛ ورحم اللّه ذلک الرجل الانصاری الذی قال لرسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل .
إنّ حقیقة البیعة التخلّی الکامل عن الأنفس والأموال والالتزام الکامل بالتسلیم والطاعة فی مقابل الثمن الکبیر وهو الجنّة ؛ فان حقیقة الطاعة هی ( الولاء ) والتسلیم للّه ، ولا یتمّ الولاء للّه والتسلیم لأمر اللّه ورسوله والانقیاد والطاعة لهما إلاّ عندما یتخلّی الانسان المسلم عن کل شیء یتعلق به من الأنفس والأموال ، ویتجرد من ملکیة کل شیء وضعه اللّه تحت تصرفه وملکه ، ولا یری لنفسه حقّا فی شیء منه ویری أنّ اللّه ورسوله أولی بهما منه ، وهی عنده ودیعة الی حین یسترجعها اللّه تعالی منه وهذا هو جوهر البیعة ؛ وعجیب أمر هذه الودیعة الالهیة ، وعجیب کرم اللّه تعالی وفضله ورحمته بعباده .
فما بأیدینا من الأنفس والأموال للّه تعالی ولیس لنا منه شیء أودعها عندنا وهو أولی بها ، وهو خالقها ومالکها ، ثم یشتریها من عباده بعد ذلک ویعدهم بالجنة ثمنا لها ثم یودعها لدینا الی حین الدعوة والطلب .
ثم اذا شاء بعد ذلک أنْ یسترجع ودیعته قال عزّ من قائل : « من ذا الذی یقرض اللّه قرضا حسنا فیضاعفه له ... »(1) سبحانک ما أکرمک ، وأکرم عطایاک ! وما أجملک وأجل اسماءک وصفاتک الحسنی ! وما أبخلنا وألأمنا فنحن عبادک الذین نضن بأنفسنا واموالنا عنک ! فتول اللهم لؤمنا بکرمک وشحنا برحمتک .
والبیعة میثاق ، وهذا المیثاق یحمّل الانسان المسلم مسؤولیتین کبیرتین :
الاولی : مسؤولیة الدعوة الی اللّه تعالی والقیام باعبائها وتحمّل الخسائر المترتبة علیها وتوطین النفس لذلک .
الثانیة : مسؤولیة الدولة الاسلامیة وبناؤها والدفاع عنها .
وهاتان المهمّتان شاقتان عسیرتان ولا ینتهی دور الانسان ومسؤولیته تجاه الایمان باللّه وبرسوله ما لم یتعهد أمر الدعوة والدولة ؛ وهذه المهمة المزدوجة هی اساس معاناة وابتلاء ومتاعب الانبیاء علیهمالسلام ، فلن تستقر الدعوة ، ولن تتمکن من العقول والقلوب والحیاة من دون التصدی والمواجهة ولن تشق طریقها إلاّ علی انقاض الدعوات الجاهلیة وعلی اجساد الطغاة والجبابرة الذین یحولون بین الناس والاستجابة لدعوة اللّه .
وما یقال فی الدعوة یقال فی الدولة بشکل أقوی وأوضح ، فإن ( الدولة ) هی سیادة الدعوة وسلطانها علی الارض وکلمتها النافذة ، ولا تستطیع الدولة أن تفرض سلطان الدعوة علی الحیاة الاجتماعیة ، دون أن تواجه صنوفا من العقبات والتحدیات ، وهذه المواجهة فی طریق تمکین الدعوة والدولة وتذلیل العقبات تتطلب البذل والتضحیة والصبر ، وتوطین النفس لکل ذلک من قبل الامّة حاملة رسالة الدعوة والدولة ؛ فلا بدّ من مبایعة قائد المسیرة علی البذل والعطاء والتضحیة والفداء ، وان یجاهدوا خفافا وثقالاً ، وألاّ یعیقهم عن الجهاد فی سبیل اللّه الأزواج والبنون والأموال والتعلقات والمواقع ، وأن یتجردوا للّه تبارک وتعالی من کل ارتباط وتعلّق عدا الارتباط باللّه والتعلّق بالدعوة وهمومها وآلامها ، ولا بُدّ أن تکون المبایعة مع قائد المسیرة وامام الدعوة ورئیس الدولة .
ولا بُدّ فی البیعة من أمرین :
1 ـ الطاعة والانقیاد .
2 ـ التضحیة والعطاء .
قال ابن عمر : « کنّا نبایع رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله علی السمع والطاعة »(1) .
وعن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : « علی المرء المسلم السمع والطاعة فیما أحب وأکره ، إلاّ أن یؤمر بمعصیة فاذا اُمر بمعصیة فلا سمع ولا طاعة »(2) .
وعن یزید بن ابی عبید مولی سلمة بن الأکوع قال قلت لسلمة : علی أی شیء بایعتم رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله یوم الحدیبیة ؟
قال : علی الموت(3) .
فلا تستقیم الدعوة ومسیرتها ، ولا تحقق أهدافها من دون هذین الأمرین .
والطاعة والتضحیة أمران متلازمان وهما یساویان التخلّی الکامل عن النفس ورغباتها ومشتهیاتها للّه تبارک وتعالی ؛ والجنة هی الثمن الذی یتقاضاه الانسان المؤمن ازاء ذلک .
والبیعة بهذا المحتوی الرفیع لن تکون إلاّ مع اللّه تعالی ، وأ مّا الذین یبایعون النبی صلیاللهعلیهوآله فإنّما یبایعون اللّه : « انّ الذین یبایعونک اِنّما یبایعون اللّه ید اللّه فوق أیدیهم فمن نکث فإنّما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه اللّه فسیؤتیه أجرا عظیما »(1) .
فلا تکون البیعة بالمحتوی الذی شرحناه مع طرف آخر غیر اللّه ، ولا یصح ان یتجرّد الانسان مّما اتاه اللّه تعالی لغیر اللّه .
ولکلمة « إنّما » فی قوله تعالی : « ان الذین یبایعونک انّما یبایعون اللّه ... » ذات دلالة عمیقة ؛ فهی تأتی لحصر البیعة والولاء باللّه تعالی ونفی أیة بیعة اخری غیر البیعة للّه .
« ... ید اللّه فوق ایدیهم ... » فالید التی یصافحونها فی البیعة واِن کانت ید النبی صلیاللهعلیهوآله ولکنها تمثل ید اللّه ، وعلوها من علو ید اللّه ، هذه الجملة تقرر عدة حقائق ایمانیة وسیاسیة فی وقت واحد ، فلا بدّ فی هذه البیعة من ید اعلی فوق ایدیهم ، ومن دون هذا العلو لا تتم الولایة والبیعة والطاعة . ولا بدّ أن یکون هذا العلو علوّا حقیقیا ، فاستعلاء بعض الناس علی بعض لیس من ذلک ، وانما هو من الاستکبار الذی یمقته اللّه تعالی .
و « ید اللّه » هی العلیا فی هذه البیعة « ... ید اللّه فوق ایدیهم ... » وهی وحدها الحریّة بالبیعة والطاعة والولاء ؛ أ مّا ید النبی صلیاللهعلیهوآله فلیست هی المقصودة بالذات فی هذه البیعة ، وانّما المقصود ید اللّه ، وتکتسب العلو والولایة من اللّه .
وهذه الحقائق بمجموعها ترسم لنا الابعاد الکاملة لتوحید الولاء ، وهو بعد ( توحید الایمان باللّه ) یعتبر الاساس والرکیزة لبناء المجتمع الاسلامی ، وتنظیم شبکة العلاقات داخل المجتمع ؛ فالذی یتأمّل فی نسیج ( العلاقات ) داخل المجتمع الاسلامی ، سواء ما یتعلّق منها بالعلاقة باللّه ورسوله واولیائه والقیادة الاسلامیة ( العلاقة العمودیة ) أو العلاقات التی تربط اعظاء المجتمع الاسلامی بعضهم ببعض ( العلاقات الافقیة ) یجد أنّ هذه العلاقات تکوّن جمیعا شبکة واحدة ونظاما واحدا یسمی بـ « الولاء » ، ولیست مجموعة من الشبکات والانظمة ، وأنّ هذه الشبکة الواحدة تنبع من مصدر واحد وهو الارتباط باللّه تعالی ، والولاء له ( بمعنی الطاعة والنصرة والحب ) ومن هذا المصدر تتشعب وتنبع العلاقات العمودیة والافقیة الاُخری . وهذا هو الذی نقصده بتوحید الولاء .
ولا بدّ من هذه البیعة فی کل جولة للدعوة فی الحیاة ، وفی کل مرة تتصدی فیها الدعوة لاقامة الدولة وتتعرّض فیها الدولة لتحدیات الجاهلیة ، وذلک لتعمیق العلاقة بالقیادة وتعمیق الاحساس بالمسؤولیة الکبیرة فی قیام الدعوة والدولة ، وتوطین النفوس للطاعة والتضحیة والتجرد للّه .
وقد دعا رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله المسلمین الی البیعة اربع مرات فی حیاته المبارکة :
1 ـ بیعة العقبة الاولی .
2 ـ البیعة الکبری بالعقبة .
3 ـ بیعة الرضوان أو بیعة الشجرة(1) .
4 ـ بیعة الغدیر .
والبیعة الاولی کانت تخص أمر التعهد بالدعوة والتزامها وتبنّیها ، والبیعة الثانیة والثالثة والرابعة ، کانت تتعلق بأمر الدولة وبنائها وحمایتها .
قال عبادة بن الصامت : « ... بایعنا رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله بیعة النساء ، وذلک قبل ان یفترض علینا الحرب ، علی ان لا نشرک باللّه شیئا ، ولا نسرق ، ولا نزنی ، ولا نقتل اولادنا ، ولا نأتی ببهتان نفتریه ، من بین ایدینا وارجلنا ، ولا نعصیه فی معروف . فإن وفیتم فلکم الجنة ، وان غشیتم من ذلک شیئا فاخذتم بحدّه فی الدنیا فهو کفارة له ، وان سترتم علیه الی یوم القیامة فأمرکم الی اللّه عزّ وجل ، ان شاء عذّب ، وان شاء غفر »(1) .
قال کعب بن مالک : « خرجنا من المدینة للحج وتواعدنا مع رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله بـ ( العقبة ) أواسط أیام التشریق ، وخرجنا بعد مضی ثلث اللیل متسللین مستخفین ، حتی اجتمعنا فی الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ، فجاء رسول اللّه ومعه عمه العباس فتکلّم رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله فتلی القرآن ، ودعا الی اللّه ورغّب فی الاسلام ثم قال : ابایعکم علی أن تمنعونی مما تمنعون نساءکم واطفالکم ، فأخذ البراء بن معرور بیده ، ثم قال : نعم والذی بعثک بالحق لنمنعک مما نمنع به ازُرنا ( نساءنا ) . فبایعنا یا رسول اللّه فنحن واللّه أهل الحروب .
فقال ابو الهیثم بن التیهان : یا رسول اللّه إنّ بیننا وبین الرجال حبالاً ، وانّا قاطعوها ( یعنی الیهود ) فهل عسیت إن نحن فعلنا ذلک ثم اظهرک اللّه ان ترجع الی قومک وتدعنا ؟ فتبسّم رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله ثم قال : بل الدم الدم والهدم الهدم ،ای ذمتی ذمتکم وحرمتی حرمتکم »(1) .
قال ابن قتیبة : « کانت العرب تقول عند الحلف والجوار دمی دمک وهدمی هدمک ، ای : ما هدمت من الدماء هدمته أنا » .
وهی بیعة الرضوان أو « بیعة الشجرة » فی سنة سبع من الهجرة استنفر رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله اصحابه للعمرة ، فخرج معه الف وثلاثمائة أو الف وستمائة ، ومعه سبعون بدنة ، وقال : ألست احمل السلاح انما خرجت معتمرا ، وأحرم من ذی الحلیفة وصاروا حتی دنوا من الحدیبیة علی تسعة امیال من مکة ، فبلغ الخبر أهل مکة ، فراعهم واستنفروا من اطاعهم من القبائل حولهم ، وقدموا مائة فارس علیهم خالد بن الولید أو عکرمة بن ابی جهل ، فاستعدّ لهم رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله وقال : إنّ اللّه أمرنی بالبیعة ، فأقبل الناس یبایعونه علی الاّ یفرّوا ، وقیل بایعهم علی الموت(2) .
وهی بیعة الغدیر المعروفة ، ومنها أخذ رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله البیعة من المسلمین ـ وقد روی أ نّهم یومذاک فی غدیر خم مائة وعشرون ألف شخص ـ لعلی بن ابی طالب علیهالسلام من بعده بالامامة وقیادة الدولة من بعده والحادث معروف یرویه عدد کبیر من أرباب الحدیث والسیر والتأریخ .
نعود مرة اخری للحدیث عن آیة الشهادة فی القرآن : « ... یقاتلون فی سبیل اللّه فیقتلون ویُقتلون وعدا علیه حقا فی التوراة والانجیل والقرآن ... » وهذه ثلاث قضایا مقترنة ببعضها لا یمکن تفکیکها وتجزئتها ولا یمکننا أن نفهمها فهما صحیحا إلاّ بهذه الصورة المتّصلة ، وضمن هذا الاطار الواحد الذی یرسمه القرآن « ... یقاتلون ... فیَقتلون وَیُقتلون ... » وتلک هی القضیة الاولی .
وفی سبیل اللّه ولیس فی سبیل الطاغوت ، وعلی طریق الدعوة الی اللّه . ومن أجل تقریر الوهیة اللّه علی وجه الأرض وبلوغ رضوانه ومرضاته ، وتلک القضیة الثانیة فی هذه الکلیة .
وهذا الوعد بالجنة ، وهذه الدعوة الی القتال وهذه المبایعة لا تخص الذین قاموا مع النبی الامی صلیاللهعلیهوآله لتطهیر الارض من الطاغوت وتقریر الوهیة اللّه علی وجه الارض وانّما هی سنة قدیمة للّه تعالی فی عباده منذ التوراة والانجیل ، ومنذ حیاة الانبیاء السابقین علیهمالسلام الی الیوم .
وشأن هذه الاُمّة الیوم شأنها فی زمن موسی وعیسی علیهماالسلام ومن قبلهما من الانبیاء والمرسلین ، لن تنال رحمة اللّه ورضوانه إلاّ بتحکیم الوهیة اللّه ، وحاکمیته علی وجه الأرض ، ولن تحقق حاکمیة اللّه علی وجه الارض إلاّ من خلال هذه المعاناة والقتال والدماء : « أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما یأتکم مثل الذین خلوا من قبلکم مستهم البأساء والضراء ... »(1) ، مسیرة واحدة مخضبة بالدم ، منذ عهد موسی وعیسی علیهماالسلام ، ومن قبلهما من الانبیاء الی ان یتولی المهدی من آل محمد علیهالسلام تطهیر الأرض من رجس الطغاة وعبثهم وفسادهم والی أن تقوم القیامة ، وینشر الناس للحساب وتلک القضیة الثالثة فی هذه الکلیة التی یعرضها هذا النص العجیب من کتاب اللّه تعالی .
ومن هذه النقاط الثلاث نستطیع ان ندرک التصوّر الاسلامی الکامل لمسألة القتال ، ضرورة حتمیة من ضرورات الدعوة الی اللّه تعالی ، ولا یمکن تفکیک مسیرة الدعوة الی اللّه عنه ، وهذه الضرورة والحتمیة لیست قضیة جدیدة فی مسیرة الدعوة ، وانّما هی ضرورة تأریخیة وحتمیة من الحتمیات التأریخیة للدعوة الی اللّه .
فإنّ الدعوة الی اللّه لا یمکن أنْ تشق طریقها علی وجه الأرض الی قلوب الناس وعقولهم ، ولا یمکن أنْ تتحرک الدعوة الی اللّه لتحریر عقول الناس وقلوبهم من « الاصر » و « الاغلال » ، دون أنْ تواجه سخط الجاهلیة وتحدّیها ، وغضبها ، ذلک انّ الدعوة لا تتحرک فی خلاء سیاسی واقتصادی واجتماعی ، وانّما تتحرک فی المساحة التی تحتلها الجاهلیة من قبل ، أو ترید احتلالها ، وتتحرک علی حساب نفوذ وسلطان وطموحات الجاهلیة فی هذه المساحات ، ولا یمکن أنْ تواجه الجاهلیة تقدم الدعوة ومسیرتها بالسکوت والاستسلام وتفسح الطریق لها .
انّ الذین یتصوّرون أنّ الدعوة تتحرک فی منطقة فراغ سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة بعیدون عن الواقع وعلی درجة عالیة من السذاجة والبساطة فی فهم الاُمور ، والأمر الواقع ان الانسان الذی تحرره الدعوة من الاصر والاغلال یخسره الطاغوت ولن یعود اداة طیّعة له ، وموضعا لاستثماره . وعلیه فلا یمکن أنْ تتقدم الدعوة علی وجه الأرض من دون أنْ تواجه تحدیا قویا من الجاهلیة ، ومواجهة حادّة من الطاغوت ومعارضة بکل الوسائل الممکنة من قبل اقطاب الجاهلیة وأئمة الکفر .
وللجاهلیة محاور وولاءات کثیرة ، لکنها جمیعا تجتمع عند هذه النقطة فی مواجهة محور الولاء للّه ، وتتناسی کل ما لدیها من خلافات قدیمة وحدیثة ، لمواجهة العدو المشترک الذی یصادر وجودها جمیعا .
إنّ الجاهلیة فیما بینها ولاءات متعددة ومتقاطعة احیانا ولکنّها فی مواجهة الاسلام کتلة واحدة وبراءة واحدة ، وهذه الحقیقة تجعل من الجاهلیة مواجهة صارمة وعنیفة لمسیرة الدعوة .
هذا هو التصوّر الواقعی لمسیرة الدعوة والمواجهة الجاهلیة لها ، ولا تنتهی هذه المواجهة والتحدی الجاهلی إلاّ عند التصفیة الکاملة لحرکة الدعوة والمصادرة الکاملة لارادة الانسان ، والسیطرة الکاملة علی کل مساحات الدعوة ، والانهاء الکامل لکل مراکز ومواقع الدعوة الی اللّه ، وکل مراکز ومواقع الاستجابة لدعوة اللّه تعالی والی هذه الحقیقة فی ترکیب وبنیة الجاهلیة یشیر القرآن الکریم : « ... ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبیع وصلوات ومساجد یذکر فیها اسم اللّه کثیرا ... »(1) ، لا تتوقف الجاهلیة إلاّ عند تصفیة هذه المراکز جمیعا : البیع ، والصلوات ، والمساجد ، وکل موقع ومرکز یذکر فیه اسم اللّه ویدعا فیه الی اللّه تعالی .
ولا سبیل الی ایقاف الجاهلیة وصدّها عن العدوان وعن الفتنة فی طریق الدعوة إلاّ بالقتال والجهاد واستئصال الکفر والجاهلیة « وقاتلوهم حتی لا تکون فتنة ویکون الدین للّه ... »(2) .
فالقتال اذن ضرورة من ضرورات الدعوة ، ولا یمکن أن تنطلق مسیرة الدعوة علی وجه الأرض من دون قتال ودم ، ولا یمکن أن تؤدی الدعوة رسالتها علی وجه الأرض دون أن تعدّ الاعداد الکامل لهذه الحرب المصیریة والحضاریة ودون ان توطن نفسها لهذه المواجهة العنیفة التی لا ترحم صغیرا ولا کبیرا ؛ والتفکیر فی المصالحة والهدنة والتفاهم مع الجاهلیة تفکیر ساذج ، وغیر واقعی وغیر مبدئی فی نفس الوقت . فلیس لنا مع الجاهلیة ، والطاغوت غیر خیار واحد ، وقرار واحد ، وهو الاستمرار فی القتال ( ضمن مراحل العمل والحرکة ) حتی یتم القضاء الکامل علی الجاهلیة وبها یتم القضاء الکامل علی الفتنة علی وجه الأرض : « وقاتلوهم حتی لا تکون فتنة ویکون الدین للّه ... » .
انّ الجاهلیة المعاصرة کالجاهلیة فی أی وقت آخر ذات ولاءات ومحاور مختلفة ، لکنها قبالة الاسلام تجمعها علاقة عضویة واحدة ، وهذه الحقیقة التأریخیة هی التی تفسر لنا کیف اجتمعت امیرکا وروسیا وانگلترا وفرنسا والمانیا وغیرها من الدول الکبری علی دعم النظام العراقی فی ضرب الثورة الاسلامیة والکید للدولة الاسلامیة .
إنّ هذه المسائل السیاسیة تکشف عن طبیعة الجاهلیة وارتباطها العضوی ، ووحدة الموقف السیاسی عندها فی البراءة ، وان کانت هی فی داخلها ذات محاور وولاءات متعددة ومتخالفة .
إنّ شراسة النظام العراقی فی هذه الحرب التی تجاوز فیها کل الاصول الاخلاقیة والاعراف الدولیة للحروب ، وسکوت العالم علی هذه الجرائم جزءٌ من طبیعة الجاهلیة فی صراعها مع الاسلام ، فالفتک والبطش والشراسة من خصائص الجاهلیة فی صراعها مع الاسلام ، الکیانات الجاهلیة فی صراعها السیاسی والعسکری مع الاسلام تحاول أن تتقنع بقناع الانسانیة والاخلاقیة ، فإذا طال الصراع واستنفذت الجاهلیة وسائلها الممکنة ، ووجدت نفسها فی خطر حقیقی ألقت هذا القناع جانبا ، وظهرت بکل بشاعتها للساحة وللرأی العام .
ویطول هذا الصراع ولا یمکن الوصول فیه الی تفاهم أو مصالحة ، ولا أمد للحرب غیر سقوط الجاهلیة ونهایتها واخلاء الساحة الانسانیة لحرکة الدعوة الی اللّه ؛ فالصراع هنا لیس صراعا علی أرض وماء أو حقل من حقول النفط وإنّما الصراع هنا ( صراع حضاری ) بکل ما تحمله هذه الکلمة من دلالة وعمق .
وبکلمة موجزة جدا : انّ الصراع هنا صراع الولاءات ولیس صراع المصالح ، حتی یمکن فیه التفاهم ، والصلح واللقاء .
ولا بُدّ أنْ نقف وقفة اُخری عند کلمة : « ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم ... » فإنّ الآیة الکریمة تفرز قضیة هذا البیع والشراء بصیغة الماضی ، ولیس بصیغة المضارع « ان اللّه اشتری من المؤمنین ... » من کل المؤمنین دون تخصیص .
إ نّها لآیة رهیبة حقّا تهز الانسان من الأعماق وتشعر الانسان بعمق معنی الایمان وبثقل الایمان الکبیر ، فکل ایمان بیعة مع اللّه ، وکل من آمن فقد باع نفسه للّه وتخلّی عن نفسه وماله له تعالی من دون تردد ، إنّ القضیة اعمق من الاستعداد للتخلی ، انّه هو التخلّی الفعلی عن النفس والمال للّه ، وهذا هو معنی ( البیع ) و ( الشراء ) ولیس الاستعداد للتنازل عن الأنفس والأموال ، وانّما التخلّی الفعلی عن کل شیء یملکه للّه تعالی من دون تردد ، ولا تراجع ، ولا نظرة الی الوراء ، فقد تمّ البیع وتمت الصفقة وحسم الأمر ، فلا اِقالة ولا رجعة .
وهکذا کان یفهم المسلمون الأوائل هذه الآیة الکریمة عندما کبّروا لمّا تلا رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله هذه الآیة المبارکة علیهم ، وقال قائلهم : « بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل » .
وأ مّا الوفاء بالثمن ووثیقة البیع فإنّ الشاری هو اللّه تعالی وهو المتعهد بالثمن ، ومن أوفی بعهده من اللّه ؟
وانّ المؤمن لیتصور هذا الثمن الکبیر الباقی لهذه البضاعة ، ثم یعلم أنّ اللّه تعالی هو الذی یتولی الوفاء بهذا العهد فتمتلئ نفسه غبطة وراحة ویقینا ویطمئن قلبه بعهد اللّه تعالی ومیثاقه .
ومن عجیب أمر هذا البیع والشراء وثیقة هذا البیع ، فإنّ وثائق البیوع تختلف باختلاف أهمیة درجة البیع وقیمته ، واذا کان المشتری فی هذا البیع هو اللّه تعالی والبضاعة هی الأنفس والأموال والثمن الجنة ، فلا بُدّ أن تکون وثیقة هذا البیع علی قدر قیمته ، وأعزّ الوثائق کُتب اللّه تعالی والواح الوحی المرسلة الی انبیائه ؛ ووثیقة هذا البیع من هذا النوع : التوراة والانجیل والقرآن ، وناهیک بها من وثائق تبعث الطمأنینة والثقة فی اضعف النفوس .
ولأمر ما یأتی فی هذه الآیة الکریمة تأکید الموثق فی هذا البیع ویأتی ذکر المواثیق الذی سجل اللّه تعالی فیه عهده لعباده بالجنة ویأتی قوله تعالی : « ... ومن أوفی بعهده من اللّه ... »(1) .
فإنّ القلوب کلما کانت تطمئن أکثر لوعد اللّه أقدمت علی هذه المبایعة مع اللّه بثقة ویقین أکبر . والضعف فی الاطمئنان لا ینافی الایمان ؛ فقد یکون الانسان مؤمنا ولکن لم یبلغ فی تعامله مع اللّه تعالی درجة عالیة من الیقین والاطمئنان ، ومثل هذا الایمان یشوبه الکثیر من الضعف والتخلف عند المبایعة والاستجابة لدعوة اللّه تعالی .
واما عندما ترتفع درجة ثقة الانسان بوعد اللّه تعالی الی مستوی ( الطمأنینة ) و ( الیقین ) فإنّ الأمر یختلف بالنسبة الیه اختلافا کبیرا وتکاد تکون ( الجنة ) ثمنا مقبوضا والبیع نقدا ، ولیس الثمن موعودا .
إنّ الذین رزقهم اللّه الطمأنینة والیقین یرون وعد اللّه حاضرا ویرون الجنة ماثلة أمام أعینهم ، فلا یشکون ، ولا یترددون ، ولا یحجمون ، ولا یساورهم شک ولا ریب ، ویقدمون علی المبایعة مع اللّه ، من دون خوف ، أو تراجع ، أو نظر الی الوراء ، ویقدّمون أنفسهم وأموالهم للّه ببساطة وارتیاح ومن غیر معاناة .
روی مسلم أنّ رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله قال لأصحابه یوم بدر : « قوموا الی جنة عرضها السماوات والأرض .
قال عمر بن حمام الانصاری : یا رسول اللّه جنة عرضها السماوات والأرض ؟
قال : نعم .
قال : بخٍ بخٍ .
فقال رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : ما یحملک علی قولک بخٍ بخٍ .
قال : لا واللّه یا رسول اللّه إلاّ رجاء أن اکون من أهلها .
قال : فإنّک من اهلها .
فأخرج تمرات من قربه ، فجعل یأکل منهن .
ثم قال : لئن أنا حییت حتی آکل تمراتی هذه انها لحیاة طویلة .
قال : فرمی بما کان معه من التمر ثم قاتلهم حتی قُتل »(1) .
وروی مسلم عن ابی بکر بن عبد اللّه بن قیس عن أبیه قال : « سمعت أبی ، وهو بحضرة العدو یقول : قال رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : إنّ ابواب الجنة تحت ظلال السیوف . فقام رجل رثّ الهیئة فقال : یا أبا موسی انت سمعت رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله یقول هذا ؟ قال : نعم ، قال : فرجع الی اصحابه ، فقال : اقرأ علیکم السلام ، ثم کسر جفن سیفه فألقاه ، ثم مشی بسیفه الی العدو ، فضرب به حتی قُتل »(2) .
بمثل هذه البساطة والثقة والطمأنینة کانوا یتعاملون مع اللّه تعالی ؛ وقد هازل بریر عبد الرحمن الانصاری ( لیلة عاشوراء ) ، فقال له عبد الرحمن الأنصاری : ما هذه ساعة باطل ! فقال بریر : لقد علم قومی ما أحببت الباطل کهلاً ولا شابا ، ولکنی مستبشر بما نحن لاقون ؛ واللّه ما بیننا وبین الحور العین إلاّ ان یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم ، ولوددت أ نّهم مالوا علینا الساعة »(1) .
وخرج حبیب بن مظاهر یضحک ، فقال له یزید بن الحصین : ما هذه ساعة ضحک یا حبیب !
قال حبیب : وأی موضع أحق بالسرور من هذا ؟ ما هو إلاّ أن یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم فنعانق الحور(2) .
روی عن جابر أنّ رجلاً قال ( فی ساحة المعرکة ) : « أین أنا یا رسول اللّه ان قتلت ؟ قال : فی الجنة . فألقی تمرات کن فی یده ، ثم قاتل حتی قُتل »(3) .
ثمّ إنّ الجنة هی الثمن فی هذه المبایعة « ... بأنّ لهم الجنة » ویستتبع الوعد بالجنة البُشری السارة التی یزفها القرآن الی المجاهدین : « ... فاستبشروا ببیعکم الذی بایعتم به وذلک هو الفوز العظیم » : الجنة والبشری والفوز العظیم .
وتنتهی الآیة الکریمة مرّة اخری بالبشارة « ... وبشّر المؤمنین » انّ جو الآیة یطفح بالبشری والسرور والفوز ، وهکذا یشعر الانسان عندما یقرأ هذه الآیة المبارکة انه ینتقل فیها من الجنة الی البشری ، ومن البشری الی الفوز العظیم ، ومن الفوز العظیم الی البشری ثانیة .
وأودّ أن أقف قلیلاً عند هذه الکلمة « ... الفوز العظیم » ، فهو مصطلح محدد فی کتاب اللّه والذی یتتبع مواضع استعمال هذه الکلمة فی القرآن یجد أ نّها تستعمل فی موارد متقاربة مفهوما ومترابطة أو متحدة مصداقا ، فالجنة من الفوز العظیم « لکن الرسول والذین آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم واولئک لهم الخیرات واولئک هم المفلحون * أعدّ اللّه لهم جنات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها ذلک الفوز العظیم »(1) والمبایعة مع اللّه من الفوز العظیم : « ... فاستبشروا ببیعکم الذی بایعتم به وذلک هو الفوز العظیم »(2) .
وطاعة اللّه وطاعة رسوله ( ولایة اللّه ) من الفوز العظیم : « ... ومن یطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظیما »(3) .
ورضوان اللّه وتبادل الرضا بین العبد وربّه من الفوز العظیم : « ... رضی اللّه عنهم ورضوا عنه ذلک الفوز العظیم »(4) .
ویطلق علی الجنة ورضوان اللّه معا : « وعد اللّه المؤمنین والمؤمنات جنات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها ومساکن طیّبة فی جنات عدن ورضوان من اللّه أکبر ذلک هو الفوز العظیم »(5) .
ویطلق علی المغفرة والرحمة الالهیة ، والوقایة من السیّئات « وقهم السیئات ومن تق السیئات یومئذ فقد رحمته وذلک هو الفوز العظیم »(6) .
واجمال هذه المعانی : الرحمة والمغفرة الالهیة ورضوان اللّه وطاعة اللّه ورسوله ( ولایة اللّه والجنة ) .
وهذه النقاط کما هی واضحة تعتبر بمجموعها المحور الثانی الذی تحدثنا عنه فی هذه التأملات فی مسیرة الانسان الی اللّه والذی یقابل محور ( الأنا ) و ( الذات ) .
وعلیه فإنّ الثمن فی هذه الآیة الکریمة من جنس البیع وهو ( الفوز العظیم ) ولیس من نوع آخر کما فی سائر البیوع ، حیث یختلف البیع عن الثمن وهذه من لطائف ورقاق القرآن فی هذه الآیة الکریمة .
فالفوز العظیم فی الحقیقة هو التجرد من محور الأنا والارتباط بمحور ولایة اللّه ، والخروج من دائرة نفوذ سلطان الأنا والدخول فی دائرة ولایة اللّه وطاعته ورحمته ومغفرته .
وهذا هو الفوز العظیم ـ فی رحلة الانسان الکبری الی اللّه ـ فی الدنیا وفی الآخرة ، وهو یشمل الانسان فی الآخرة کما یناله فی الدنیا علی نحو سواء .
والمتأمل فی هذه الآیة المبارکة : « الذین آمنوا وکانوا یتقون * لهم البشری فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة لا تبدیل لکلمات اللّه ذلک هو الفوز العظیم »(1) یجد أنّ الفوز العظیم هو تحرر الانسان وانطلاقه من أسر ( الأنا ) والشهوات وارتباطه باللّه تعالی ، وهو لا یخصّ الآخرة وإنّما یشمل الانسان فی الدنیا والآخرة .
فإنّ الجنة هی الفوز العظیم وهی مآل الفائزین برحمة اللّه والمنزل الذی أعده اللّه تعالی لهم فی الآخرة ، فالفوز العظیم اذن هو مبایعة اللّه تعالی وتسلیم الأنفس والأموال له وهو فی نفس الوقت ثمن هذا البیع(2) .
ثم تصف الآیة الکریمة هؤلاء الذین باعوا انفسهم للّه بأ نّهم : « التائبون العابدون الحامدون السائحون الراکعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنکر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنین »(1) .
تائبون عائدون الی اللّه ، اقلعوا عن الذنوب وفرّوا الی اللّه تعالی .
عابدون حامدون شوقا الی اللّه تعالی ، واُنسا بذکره وعبادته ، لأ نّهم وجدوا اللّه أهلاً للعبادة فعبدوه واهلاً للحمد والثناء فحمدوه .
وسائحون : وقد اختلف المفسرون فی تفسیر هذه الکلمة فقالوا : إ نّها بمعنی الصیام ، وقیل : إ نّها بمعنی الجهاد ، وقیل : إ نّها بمعنی التأمل والسیاحة الفکریة فی آیات اللّه ، وهو المعنی الذی اُرجحه هنا .
الراکعون الساجدون للّه ، والرکوع والسجود أقصی درجات الخضوع والتذلل بین یدی اللّه یجسّدان حالة الخشوع والخضوع والاخبات والانابة عند المؤمنین : « ... الآمرون بالمعروف والناهون عن المنکر ... » « والحافظون لحدود اللّه ... » والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو الرقابة علی تنفیذ أحکام اللّه ومراقبتها . وحفظ حدود اللّه هو تنفیذها ، والعمل بها .
فهؤلاء المجاهدون اذن منفّذون لاحکام اللّه ، عاملون بحدود اللّه ، وفی نفس الوقت یراقبون تنفیذها ، ینفذون احکام اللّه بأنفسهم ، ویراقبون تنفیذها فی حیاة الآخرین ، فهم یشعرون بالمسؤولیة تجاه حدود اللّه وأحکامه فی حیاتهم وفی حیاة الآخرین .
وفی سورة آل عمران نلتقی هذه اللوحة القرآنیة عن الشهید والتی تستوقف الانسان طویلاً ، وتخرجه من دائرة تصوّراته البشریة المحدودة عن الموت والحیاة الی افق واسع جدید لم تعهده تصوّراتنا المحدودة عن الموت والحیاة وتعطی للحیاة معنی جدیدا لا تعرفه التصورات الجاهلیة للانسان . وها نحن نتلو معا هذه الآیات المبارکات من سورة آل عمران : « ولا تحسبنّ الذین قُتلوا فی سبیل اللّه أمواتا بل أحیاء عند ربّهم یُرزقون * فرحین بما آتاهم اللّه من فضله ویستبشرون بالذین لم یلحقوا بهم من خلفهم الاّ خوف علیهم ولا هم یحزنون * یستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وان اللّه لا یضیع أجر المؤمنین * الذین استجابوا للّه والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذین احسنوا منهم واتقوا أجر عظیم * الذین قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لکم فاخشوهم فزادهم ایمانا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوکیل * فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم یمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظیم * اِ نّما ذلکم الشیطان یخوّف اولیاءه فلا تخافوهم وخافونِ ان کنتم مؤمنین »(1) .
والحقیقة الاولی فی هذه اللوحة القرآنیة :
ان الذین قُتلوا فی سبیل اللّه احیاء ولیسوا باموات ، والنهی عن تصوّر أنّ الشهداء أموات : « ولا تحسبنّ الذین قُتلوا فی سبیل اللّه أمواتا ... » ، انّ المسألة لیست من المجاز فی التعبیر ، وانّما هی حقیقة داخلة فی حیّز النفی والاثبات : النهی عن حسبان الشهداء امواتا ، واثبات أ نّهم احیاء ، وهذا تصور جدید علی الذهنیة المادیة تماما .
لیست الحیاة هی فقط هذه الفرصة وهذه الرقعة الضیّقة التی یعیشها الانسان فی هذه الدنیا.
ولیست الحرکة الحیوانیة التی یمارسها الانسان فی هذه الدنیا من أکل وشرب ، وتسابق علی متاع الحیاة الدنیا وزخرفها ، ونشاط وحرکة فی حقل الغرائز الحیوانیة هی المؤشر والمقیاس الوحید للحیاة . فهذه رقعة صغیرة للحیاة ، محدودة الأمد ، قصیرة المدی ، حافلة باللهو واللعب . انّ ما بأیدی الناس هنا سراب بقیعة یحسبه الظمآن ماءً ، ولیس من الحیاة فی شیء ، أما النبع الصافی والزلال للحیاة فشیء آخر ، یختلف تماما عمّا یعرفه الناس ، واللّه تعالی ورسوله یدعوانا الی الحیاة الطیبة الحقیقیة : « یا أ یّها الذین آمنوا استجیبوا للّه وللرسول اذا دعاکم لما یحییکم ... »(1) .
وهذا الذی یدعونا الیه اللّه تعالی ورسوله من الحیاة شیء آخر غیر ما یتنافس علیه الناس ؛ من اللهو واللعب ، والتفاخر ، والزینة ، وما یشوبه من البعد عن اللّه والبغضاء ، والمعاصی والذنوب ، والاستغراق فی متاع الحیاة الدنیا ، والتعلّق بها ، وحیاة الذل والهوان والعبودیة لغیر اللّه ، والاستسلام للأهواء والشهوات .
إنّ الحیاة فی التصور الاسلامی انطلاق من القیود والاغلال ، وتحرر من أسر الهوی والشهوات ، وخروج من ذل الانقیاد والاستسلام للطغاة الی عزّ العبودیة للّه تعالی ؛ والحیاة فی هذا التصوّر الجدید علی البشریة تحرر من کل تعلق بالدنیا ، لا بمعنی ترک الدنیا ولذّاتها ، فإنّ الانسان المؤمن یأخذ نصیبه مما خلق اللّه من الطیّبات کالآخرین أو أفضل من الآخرین ، إلاّ أ نّه لا یقع فی قبضة التعلق بالدنیا ولا تتحکم فیه ولا یکون مصداقا لقوله علیهالسلام : « حب الدنیا رأس کل خطیئة »(2) .
إنّ ما بأیدی الناس من الحیاة لیس من الحیاة فی شیء ، وانّما هی أقرب الی حیاة البهائم منها الی حیاة الانسان . اما الحیاة الحقیقیة فهی التی اختارها اللّه للصالحین من عباده فی الدنیا والآخرة وهی ( الحیوان ) فی الآخرة . « ... وان الدار الآخرة لهی الحیوان لو کانوا یعلمون »(1) والحیوان مبالغة فی الحیاة ، إ نّها الحیاة الحافلة بلقاء اللّه والایمان ، والحب ، والشهود ، والصدق ، والطیّبات ، وفی افق واسع عریض وعلی مدی الخلود والأبدیة ، حیاة الروح والجسم والعقل معا ، والشهید فی حرکته الصاعدة الی اللّه ینتقل من هذه الرقعة الضیقة من الحیاة الفانیة والمؤقتة الی ذلک الافق الرحیب من الحیاة ، ومن هذه المشوبة بالأکدار والابتلاءات الی النبع الصافی الزلال من الحیاة ، ولیس الی الموت والرکود والغیاب کما یتصوره الناس .
« عند ربّهم » وهذه الفقرة تدخل لتکمل صورة هذه الحیاة الحقیقیة التی ینتقل الیها الشهید فی مسیرته الی اللّه تعالی . ان غایة حرکة الشهید الی اللّه ، وهذه الغایة هی کل قیمة الحیاة ، وتکتسب الحیاة قیمتها الحقیقیة عندما تقترن بالقرب من اللّه وتوصل الانسان الیه وتجعله بجواره ، اما عندما تنقطع الحیاة من التحرک الی اللّه ومن قربه ومن التوجه الیه فهی سراب وضیاع له فی متاهات الدنیا ، واستغراق فی متاعها وحطامها .
إنّ غایة الانسان فی مسیرته وحرکته الکادحة الکبری فی الدنیا هی القرب من اللّه ولقاء اللّه ، وهی الغایة التی یسعی الیها الشهید « یا أ یّها الانسان انّک کادح الی ربّک کدحا فملاقیه »(2) .
وما یحقق الانسان فی الدنیا من هذه الغایة هو قیمته ودرجته ، والقرب من اللّه هو المقیاس الذی یقیس به الاسلام أقدار الناس ومراتبهم ؛ والناس فی القرب والبعد من اللّه درجات ومراتب ... حتی یکون الانسان ( عند اللّه ) ، فلا تکون ثمة درجة أقرب الی اللّه منه الی اللّه . ولا تجد فی اللغة تعبیرا اقوی وأبلغ فی ( القرب ) من کلمة ( عند ) وکأنّ الفواصل تنعدم فی هذه الدرجة من القرب ، وحاشا ربّنا من ملابسة خلقه وعباده وتبارک وتعالی من أن یرتفع عباده الی مستوی کبریائه وعزه وجلاله ، ولکنّه تعبیر بلیغ عن أقرب درجات القرب الی اللّه ؛ وقد ورد فی الحدیث عن رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : « فوق کلّ برٍّ برٌّ حتی یقتل الرجل فی سبیل اللّه ، فاذا قُتل فی سبیل اللّه عزّ وجل ، فلیس فوقه برّ »(1) . وروی عنه صلیاللهعلیهوآله : « فوق کلّ ذی برّ برٌّ حتی یُقتل الرجل فی سبیل اللّه فلیس فوقه برّ »(2) .
إنّ کلمة ( عند ربّهم ) لتستوقف الانسان طویلاً ! أیبلغ الأمر بالعبد الوضیع ان یکون ( عند ربّه ) هکذا من دون فواصل ومراحل ، وبمثل هذه الدرجة من القرب ( عند ربّه ) ، وتعالی اللّه عن ملابسة مخلوقاته علوا کبیرا . وقد ورد مثل هذا التعبیر فی القرب من اللّه فی سورة القمر بالنسبة الی المتقین : « انّ المتّقین فی جنات ونهر * فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر »(3) . وفی المناجاة الشعبانیة : « ... الهی هب لی کمال الانقطاع الیک ، وأنر ابصار قلوبنا بضیاء نظرها الیک ، حتی تخرق ابصار القلوب حجب النور ، فتصل الی معدن العظمة ... »(4) .
وحالة « کمال الانقطاع الی اللّه تعالی » هی التی توصل الانسان الی معدن العظمة ، وتخرق له حجب الظلمة والنور الی اللّه تعالی ؛ وفی المناجاة :
« الهی فاسلک بنا سبل الوصول الیک ، وسیّرنا فی أقرب الطرق للوفود علیک »(5) .
ولیس من أحد تنطبق علیه هذه الفقرات اکثر من الشهید ، فهو یسلک الی اللّه تعالی أقرب الطرق ، ولیس من طریق أقرب الی اللّه من الشهادة ثم یفد علی اللّه تعالی .
یقول أمیر المؤمنین علیهالسلام : « ان للّه عبادا فی الأرض کأ نّما رأوا أهل الجنة فی جنتهم ، وأهل النار فی نارهم ، یجأرون الی اللّه سبحانه بأدعیتهم ، قد حلا فی أفواههم ، وحلا فی قلوبهم طعم مناجاته ، ولذیذ الخلوة به ، قد أقسم اللّه علی نفسه بجلاله وعزّته لیورثنّهم المقام الاعلی فی مقعد صدق عنده »(1) . هؤلاء هم الذین یورثنهم اللّه المقام الأعلی ، ویرزقهم اللّه جواره فی الجنة ویسکنهم فی مقعد صدق عنده ، وهم الذین یفدون علی اللّه .
وهذه الکلمة تشخص نوع الحیاة ، انها حیاة حقیقیة معنویة خالصة ، بل هی الحیاة بکل ابعادها المادیة والمعنویة ، وهذه الجملة لا تبقی لأحد مجالاً للشک فی تشخیص هذه الحیاة بعد حیاة الدنیا . ومن العجب أن بعض المفسرین یترددون فی تفسیر هذه الآیة بالحیاة الحقیقیة ، والآیة الکریمة ترسم الحیاة بصورة واضحة ؛ فالشهداء احیاء عند ربّهم یرزقون فی حیاتهم الجدیدة ، ویفرحون بما آتاهم اللّه من فضله ویستبشرون بالذین من خلفهم ، وهل بعد کل هذه النقاط غموض فی معنی الحیاة التی تلی هذه الحیاة والتی تسبق الحیاة الآخرة ، انها الثانیة لیست هی الحیاة الآخرة ، فالحیاة الآخرة لیست موضع انکار أحد من المؤمنین ، والآیة حیث تنهی عن حسبان الشهداء من الاموات فإنها تکاد تکون صریحة فی أنّ المقصود من هذه الحیاة : حیاة اخری غیر حیاة الآخرة ؛ فإنّ احدا من المؤمنین لا یشک فی حیاة الآخرة للشهید ولغیر الشهید ، فلا بُدّ أن یکون المقصود حیاة اخری بین حیاة الدنیا وحیاة الآخرة ، وهی التی یجهلها الکثیر من المؤمنین ، ینتقل الیها الشهید من الحیاة الدنیا مباشرة ، ویعیش فیها بجوار ربّه تبارک وتعالی ، والناس ینظرون الی الشهید جثة هامدة فیتصوّرون انّه میّت ، ولیس هو بمیّت ، وانّما ینعم فی جوار ربّه بما أعدّ اللّه للصالحین من عباده من فضل ورحمة فی الجنة ، حتی ینتقل فی الآخرة الی حیث یختار اللّه تعالی له من مراتب رحمته وفضله فی جنة عرضها السماوات والأرض .
وفی أحادیث رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله وأهل بیته شواهد کثیرة علی هذه الحیاة البرزخیة التی یحیاها الشهداء والصالحون من عباد اللّه فی الجنة ، وینعمون فیها برحمة اللّه قبل الحشر والحیاة الآخرة ، ففی الحدیث عن جابر بن عبد اللّه الانصاری عن رسول اللّه فیما جری للمسلمین فی حرب مؤتة بعد استشهاد زید بن حارثة وجعفر بن ابی طالب ، وعبد اللّه بن رواحة الانصاری رحمهم اللّه الذین عیّنهم النبی صلیاللهعلیهوآله قادة للجیش علی التوالی ، ان استشهد منهم أحد ، تولی الآخر محله ، یقول جابر رحمهالله :
« فلمّا کان الیوم الذی وقع فیه حربهم صلّی النبی صلیاللهعلیهوآله بنا الفجر ثم صعد المنبر فقال : قد التقی اخوانکم مع المشرکین للمحاربة فاقبل یحدّثنا بکرّات بعضهم علی بعض ، الی أن قال : قُتل زید بن حارثة وسقطت الرایة ، ثم قال : قد أخذها جعفر بن أبی طالب وتقدم للحرب ، ثم قال : قد قُطعت یده ، وقد أخذ الرایة بیده الاُخری ، ثم قال : قُطعت یده الاُخری وقد أخذ الرایة فی صدره ، ثم قال : قُتل جعفر بن أبی طالب وسقطت الرایة ، ثم أخذها عبد اللّه ابن رواحة ، وقد قتل من المشرکین کذا ، وقُتل من المسلمین کذا ، فلان وفلان الی أن ذکر جمیع من قتل من المسلمین بأسمائهم ، ثم قال : قُتل عبد اللّه بن رواحة ، وأخذ الرایة خالد بن الولید فانصرف المسلمون ، ثم نزل عن المنبر وصار الی دار جعفر ، فدعا عبد اللّه بن جعفر فأقعده فی حجره وجعل یمسح علی رأسه ، فقالت والدته أسماء بنت عمیس : یا رسول اللّه انّک لتمسح علی رأسه کأ نّه یتیم قال : قد استشهد جعفر فی هذا الیوم ، ودمعت عینا رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله وقال : قطعت یداه قبل أن یستشهد وقد أبدله اللّه بجناحین من زمرد أخضر ، فهو الآن یطیر بهما فی الجنة مع الملائکة کیف یشاء »(1) .
ان فرح الشهید بما یؤتیه اللّه تعالی من فضله ورحمته الواسعة لا حدّ له ، انه یستقبل الرحمة الالهیة الواسعة ویری ما أعدّ اللّه تعالی من فضل ورحمة قبل أن تفارق الروح جسده وقبل ان یلفظ آخر انفاسه . روی زید بن علی عن أبیه علی بن الحسین زین العابدین علیهالسلام ، عن آبائه ، قال : « قال رسول اللّه صلیاللهعلیهوآله : للشهید سبع خصال من اللّه :
اول قطرة من دمه : مغفور له کلّ ذنب .
والثانیة : یقع رأسه فی حجر زوجتیه من الحور العین وتمسحان الغبار عن وجهه ، وتقولان : مرحبا بک ، ویقول : هو مثل ذلک لهما .
والثالثة : یکسی من کسوة الجنة .
والرابعة : تبتدره خزنة الجنة بکل ریح طیبة ایّهم یأخذه معه .
والخامسة : ان یری منزله .
والسادسة : یقال لروحه اسرح فی الجنة حیث شئت .
والسابعة : ان ینظر فی وجه اللّه ، وانها لراحة لکل نبی وشهید »(2) .
ان الشهداء لم یموتوا ولم ینال الموت منهم وعیا ودرکا ؛ انّهم یرون اخوانهم المؤمنین الذین لم یلحقوا بهم بعد ، ویتابعون حرکتهم ومسیرتهم ، ویدعون اللّه تعالی لهم ویستبشرون بوفود اخوانهم الذین لم یلحقوا بهم بعد علیهم ، وان لکل لقاء جدید فرحة جدیدة وبشری جدیدة ، وفی کل یوم لهم بشری جدیدة بلقاء أخ جدید فی اللّه یفد علی اللّه من بین لظی المعرکة ، ویقبل علیهم فیستقبلونه بالابتهاج والسرور .
انهم حاضرون ( وشهداء ) المعرکة ، لم یغیبوا عنها بالموت ولم یکن الموت بالنسبة الیهم غیابا ، انهم عند ربّهم یشهدون المعرکة ویتابعون احداثها ، ویدعون للمقاتلین ویستبشرون بالقادمین منهم الیهم وحاشا ان یکون اولئک أمواتا بل هم من شهداء المعرکة وحضّارها ، انما الاموات هم اولئک الغائبون عن مسیرة التأریخ وحیاة الناس ، وصراع الحق والباطل ، وجهاد المؤمنین ، وهم اولئک الذین یؤثرون الحیاة الدنیا وعافیتها ، ویخلدون الی الراحة ویعتزلون تیّار العمل والحرکة والجهاد ، ویعیشون علی هامش الحیاة والتأریخ ، یتفرجون علی الصراع من بعید ، اولئک هم الأموات ، بالرغم من أ نّهم یستنشقون الهواء ویتحرکون اولئک احیاء الاموات الذین لا یعرفون للحیاة معنی غیر هذه الحیاة التی یعیشها البهائم ، ولا یعرفون فی الحیاة لذّة ومتاعا إلاّ ما یعرفه الحیوان من اللذة والمتاع ، ولا تتجاوز اهتماماتهم وطموحاتهم شهوات الحیوانات واهتماماتها ، اولئک هم الغائبون الأموات .
أما الشهداء فلا یغیبون عن هذه الساحة لحظة واحدة ، ویشهدون عن کثب من عند ربهم کل تطورات المسیرة وحرکتها وتقدمها وانتصاراتها وانتکاساتها وآلامها وآمالها وتطلعاتها وطموحاتها ومعاناتها ولکن بنفس یختلف عن انفاسنا ورؤیة تختلف عن رؤانا وتصوّر یختلف عن تصوّراتنا المحدودة .
وذلک قوله تعالی : « ... ولا خوف علیهم ولا هم یحزنون »(1) . فهم ینظرون الی اخوانهم الذین لم یلحقوا بهم بعد والی المسیرة الحافلة بالدماء والجهاد والانتصارات والانتکاسات والآلام والمرارات . بهـذه الرؤیة الربّانیة : « لا خوف علیهم ولا هم یحزنون » .
أما نحن ، هنا فی هذه الدنیا ، فرؤیتنا تختلف ، اننا ننظر الی المسیرة من خلال تصوّراتنا البشریة التی یشوبها الضعف وقصر المدی والتشویش ، وینتابنا القلق والارتباک کلما توقعنا مصیبة تنزل بنا فی حرکتنا ، وکلما توقعنا عاصفة تعصف بنا ولا تذر لنا رطبا أو یابسا ، وینتابنا الحزن والألم کلما نزلت بنا داهیة ، أو عمّتنا مصیبة ضاقت بنا الأرض بسعتها ، واعتصرتنا الآلام : آلام الفراق ومرارة الانتکاسات وشدة الابتلاء فی الأنفس والأموال والأرزاق والأمن ، فالمسیرة بالنسبة الینا ـ ومن خلال تصوّراتنا ـ حافلة بالخوف والحزن ؛ الخوف علی ما نتوقعه من الابتلاء ، والحزن علی ما نزل بنا من ابتلاء وشدة ، وقلیل من عباد اللّه الذین تصفو لهم الرؤیة فی وسط هذه المسیرة الحافلة بالدماء والآلام ، فلا یعیشون خوفا ولا حزنا .
أ مّا الشهداء فرؤیتهم وتصوّرهم لهذه المسیرة یختلف عن رؤیتنا وتصوّراتنا البشریة المشوبة بضعف الانسان ، انها رؤیة اکتسبوهامن عند اللّه صافیة ، بعیدة المدی ، ملؤها الثقة والاطمئنان باللّه تعالی ، رزقهم اللّه تعالی ایّاها من عنده ، فهم یرون المسیرة الربانیة علی وجه الأرض بهذه الثقة والطمأنینة وبهذه الرؤیة الصافیة من غیر خوف ولا قلق ولا حزن ، ومن ثم یستبشرون بأخوانهم الذین لم یلحقوا بهم بعد ، والذین یخوضون غمار المعرکة ألاّ خوف علیهم ولا هم یحزنون ، ألاّ یخافوا من شیء یستقبلهم ولا یحزنوا علی شیء فاتهم ، فلن یتجاوزهم نصر اللّه الذی وعد اللّه به الصالحین من عباده ، ولن یتخطاهم النصر والتأیید والدعم والامداد من اللّه ، فی وسط هذا الصراع الحافل بالدماء والآلام والمرارات والمعاناة .
« ونرید أن نمنّ علی الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین * ونمکّن لهم فی الأرض ونری فرعون وهامان وجنودهما منهم ما کانوا یحذرون »(1) .
فعلامَ الخوف والقلق والارتباک من المستقبل ؟ فلن یصیبهم أذی أو تعب فی سبیل اللّه ولن تقسـو علیهـم الابتلاءات ، إلاّ کتب اللّه تعـالی لهـم بکـل ذلک عملاً صالحا وأجرا .
« ... ذلک بأ نّهم لا یصیبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فی سبیل اللّه ولا یطؤون موطئا یغیظ الکفار ولا ینالون من عدوٍ نیلاً إلاّ کُتب لهم به عمل صالح ... »(2) .
فعلامَ الحزن مما یصیبهم من ابتلاءات ومحن وآلام ومما یعانون فی سبیل اللّه ؟
اذن : ( لا خوف ولا حزن ) فی هذه المسیرة ، ولیس علی العاملین فی هذه المسیرة الکادحة ذات الشوکة حزن أو خوف مما أصابهم أو یصیبهم من ابتلاء . تلک هی الرؤیة الربانیة الصافیة الواثقة ، بعیدة المدی للمسیرة ، وان علینا ـ نحن العاملین فی سبیل اللّه علی خطی الشهداء ـ أن نتسلح بهذه الرؤیة ونبدل رؤیتنا القلقة والمرتبکة الخائفة بالرؤیة الربانیة الواثقة والمطمئنة بعیدة المدی لنتمکن من حمل عبء المسؤولیة الشاقة ومواصلة السیر علی طریق الأنبیاء والمرسلین .
(1) التوبة : 111 .
(2) آل عمران : 169 .
(3) التوبة : 111 ـ 112 .
(1) الجامع لاحکام القرآن للقرطبی 8 : 267 .
(2) بناءً علی أن تکون الآیة مکیة والأرجح أنها مدنیة .
(3) الدر المنثور 3 : 280 .
(1) الدر المنثور 3 : 280 .
(2) الدر المنثور 3 : 280 .
(1) البقرة : 245 .
(1) صحیح البخاری ، کتاب الاحکام ، باب البیعة وصحیح مسلم ، کتاب الامارة ، باب البیعة علی السمع والطاعة 6 : 29 . دار الفکر .
(2) مسند احمد بن حنبل 2 : 17 و 142 .
(3) صحیح مسلم ، کتاب الامارة ، باب استحباب مبایعة الامام 6 : 27 . دار الفکر .
(1) الفتح : 10 .
(1) تراجع تفاصیل هذه البیعات فی کتاب « معالم المدرستین » للعلامة المحقق السید مرتضی العسکری 1 : 88 ـ 89 .
(1) سیرة ابن هشام 2 : 75 . ط . مصطفی البابی الحلبی .
(1) سیرة ابن هشام 2 : 84 ـ 85 .
(2) امتاع الاسماع للمقریزی : 274 ـ 291 . ویراجع ابن هشام 3 : 330 ، ط . مصطفی البابی الحلبی . وقد نقلنا نصوص البیعة کلّها من کتاب معالم المدرستین عن المصادر التی أشرنا الیها فی الهامش .
(1) البقرة : 214 .
(1) الحج : 40 .
(2) البقرة : 193 .
(1) التوبة : 111 .
(1) الجامع الصحیح لمسلم 6 : 44 ، کتاب الامارة باب ثبوت الجنة للشهید . دار الفکر ـ بیروت .
(2) الجامع الصحیح لمسلم 6 : 45 ، کتاب الامارة باب ثبوت الجنة للشهید .
(1) تأریخ الطبری 6 : 241 .
(2) مقتل المقرّم : 238 .
(3) صحیح مسلم 6 : 43 .
(1) التوبة : 88 ـ 89 .
(2) التوبة : 111 .
(3) الاحزاب : 71 .
(4) المائدة : 119 .
(5) التوبة : 72 .
(6) المؤمن : 9 .
(1) یونس : 63 ـ 64 .
(2) لست ارید أن اقول إنّ الجنة هی مبایعة اللّه تعالی وتسلیم الأنفس والأموال للّه ، وانّما ارید ان اقول إنّ المبایعة للّه هی الفوز العظیم فیتحد البیع والثمن ؛ والجنة هی الدار التی اعدها اللّه تعالی فی الآخرة للفائزین الصالحین من عباده .
(1) التوبة : 112 .
(1) آل عمران : 169 ـ 175 .
(1) الانفال : 24 .
(2) بحار الأنوار 51 : 258 .
(1) العنکبوت : 64 .
(2) الانشقاق : 6 .
(1) بحار الأنوار 100 : 10 .
(2) بحار الانوار 74 : 61 .
(3) القمر : 54 ـ 55 .
(4) مفاتیح الجنان : 158 . مناجاة الأئمة علیهمالسلام فی شعبان .
(5) بحار الأنوار 94 : 147 .
(1) تفسیر البصائر 42 : 391 .
(1) بحار الأنوار 21 : 54 نقلاً عن الخرائج 188 .
(1) آل عمران : 170 .
(2) تهذیب الاحکام 6 : 122 .
(3) آل عمران : 170 .
(1) آل عمران : 170 .
(1) القصص : 5 ـ 6 .
(2) التوبة : 120 .